بينك فلويد : الحائط 1982


Pink Floyd: The Wall 1982

بينك (بوب جيلدف) في سلسلة من تخيلاته

  • سيناريو: روجر واترز
  • إخراج: الان باركر
  • بطولة:/

         بوب جيلدف في دور بينك
        اليكس ماكفوي في دور المعلم الأستبدادي
        كرستين هارغريفيز
       ايلونور ديفيد

  • تصوير سينمائي : بيتر بيزيو
  • جرافيك : جيرليد سكيَرف
  • مدة الفيلم 95 دقيقة

التعليق النقدي

بقلم لاوين ميرخان Laween Merkhan

1999/ 3/ 6

المطارق تمشي بأنتظام ,مقتحمة الشوارع, الاستاذ قبيح المنظر, الوردتان تتحولان الى الاعضاء  تناسلية (ذكرية وانثوية) وتأكلان ببعضهما, الفرج يلتهم القضيب , الحَمَام الابيض الجميل يتحول الى الطائر اسود عملاق, الاشخاص يرتدون اقنعة الاوكسجين(و التي تستخدم في الحروب المستقبل عندما تكون الاسلحة المحرمة هي السائدة: الغازات والجراثيم  ) . وفي سخرية قاتلة ومضحكة بشكل جنوني, ومفارقة رائعة الوصف  ( تندمج اقنعة الغاز مع وجوه البشر وتصبح جزء منها , هل تخيل داروين يوماً ما ان يكون التطور بهكذا شكل: مزج خرافي بين الاله والانسان) .. ويمشون كقردة… كل هذه الرموز والمشاهدات  سوف تطبع في ذهنك حضرة  المشاهِد, الفيلم لم يستعين بحوار بل استعان بتلك الرموز ذات المعاني غير المتناهية التي من الصعب تحليلها لأن كل ناقد سيشرح الفيلم بمنظوره الخاص حسب ما فهمه من الفيلم. استعان الفيلم بقصائد اغاني الالبوم (الحائط The Wall) لفريق (بينك فلويد) بشكل حرفي في سرد قصة الفيلم واحداثها من غير الاعتماد على الحوارات…

استعان الفيلم بفن الجرافيك (الكارتون, في حينها لم توجد تقينات الحاسبوب المستخدمة الان ,فهذه الاضافة تزيد من جمالية الفيلم والخيال الجامح لصاحب الرؤية).. لمدة 15 دقيقة بوساطة السياسي والرسام جيرليد سكيَرف استعمل الجرافيك كسلسلة متقطعة وليس بشكل مستمر , بما يناسب القصيدة الغنائية والمواقف التي يمر بها بينك (بوب جيلدف).

يركز الفيلم على نجم الروك يدعى بينك (بوب جيلدف), الشخص ذو ماض مجهول وصاحب  سيماء الكئيبة بدون معرفة ما هو  السبب ذلك… في بداية الفيلم تركز الكاميرا على ساعة يدوية  تحمل صورة ميكي ماوس, ثم تتحرك الكاميرا نحو السيكارة المنطفئة بين اصبعين بينك , وبحركة بطيئة من الكاميرا تصاعديا نحو وجه بينك (بوب جيلدف) الكئيب, وهذه هي احدى رموز الفيلم التي تعني ان هذا الشخص  مازال يعاني من اضطرابات حين كان طفل الدليل على ذلك ساعة الاطفال اما السيكارة المنطفئة بين اصبعين قد يرمز الى ضياع الامل والاحلام المتمسك  بهما.

يرجع الفيلم بنا الى الوراء بأستخدام خاصية الارتجاع الفني  ليدخل بنا الى الحياة الشخصية لبينك (بوب جيلدف) حينما كان طفلا في فترة الخمسينات من القرن الماضي… ترعرع يتيما حيث قتل والده الجندي في الحرب العالمية الثانية, واثر الحزن واضح  على سيماء وجه بينك الطفل حينما يرى الاطفال يلعبون  بالمراجيح مع ابائهم… ويأتي بينك الى احد الاباء ويطلب منه ان يهزه بأرجوحة … استغرب الرجل من مطلب الطفل فرد قائلا: اذهب الى ابيك يا بني.  كل هذه الذكريات بدأت تظهر امام عينان بينك بينما هو جالس مسطول في كرسي لا ينطق كلمة واحدة… اذ  انه لم يكن يعاني من  الاضطراب الداخلي بل ايضا الظروف الخارجية كانت لها التأثير العميق

بدأت ذكريات اخرى كأنها سلسلة احلام متتابهة تتوهج امام عيناه ذلك: يرى نفسه يتكأ على الحائط في نفق القطار بينما يمر القطار فيها الاطفال يلبسون اقنعة مشوهة يصيح احدهم قائلا:” هاي انت…!! انت يا صبي…!!” يكتشف المنادي هو المعلم (اليكس ماكفوي) القبيح الاستبدادي مدمر مستقبل الاولاد… ويرى نفسه داخل الصف مع زملائه ويبدأ المعلم (اليكس ماكفوي) بتأنيبه واستفزازه امام التلاميذ… وتعبر كل هذه المشاهد بالأغنية The happiest days of our lives   والاغنية الايقونة Another brick in the wall Part Two … وتتوالى الكوابيس في ذهن بينك يشاهد فيها الاطفال يدخلون في المكائن وتحويلهم الى الدمى والى الديدان وتوزيعهم ضمن الفضاءات متوزعة بترتيب متوازي بينما يصرخ المعلم من اجل توجيهم…

المعلم الاستبدادي (اليكس ماكفوي) , شخصيته قابلة لدراسة

يبدأ (بينك) تدريجيا بفقدان عقله بعد سلسلة من تخيلاته, يقوم بتحطيم كل شئ من حوله في شقته الصغيرة… وكان يظن جنونه بسبب الشهوة وعدم ممارسة الجنس فذهب الى احدى اماكن تتواجد فيها البغي وكل هذا الحدث من خلال الاغنية “الشهوة الصغيرة Young Lust  ” , لكن في الحقيقة لم يعاشر بينك احدهن بل كان جالسا بعيدا في المقطورة, فقط العاهرة الشقراء احبت بينك, فتركز الكاميرا على مجئ الشقراء اليه  بعد ان رقصت مع الشباب هي ورفاقتها في داخل الشاحنة.

 هذا الفيلم لا يقدم الحل النموذجي من خلال تجربة الشخص ذاق المرار والذل في حياته, ولا توجد فيه النهاية السعيدة ولا يبين لك نهاية بينك… الفيلم يمكن تشبيه بلوحة فنية تحفة تستحق بحفظها في المنزل.

يتذكر بينك طفولته ,بينما هو جالس على الكرسي والتلفاز مشتغل, حينما قام بتربية فأر الحقل وكيف قام بأعتناه به ويتخيل انه في مزرعة ابيه ولكنه مطوق بسياج حديدي ومطارق* ويتخيل الديدان في يده . انفصل بينك عن واقعه ويشاهد نفسه جالسا على نفس الكرسي والتلفاز مشتغل وبجانبه بينك الطفل في المزرعة…! وفي الوقت نفسه يقوم اصدقائه بأقتحام باب شقته لأنه مغمي عليه لم يخرج منها لساعات طويلة… كل هذه الاحداث تحت الاغنية التي لا تترجم الى العربية Comfortably Numb .

يفقد بينك عقله نهائيا ويبدأ بحلق حاجبيه وشعر جسده  … ويتخيل انه رئيس في منظمة نيو نازي ( النازيين الجدد)  ويخطب  في جماعة من  الشباب المنتمين الى حزبه يحثهم على  التخريب ونشر دعوته الى باقي الناس الغير منتمين وحثهم الى انضمام بالاكراه , وشعار حزبه مطرقتين مكونة حرف X  في داخل الدائرة ومعنى المطرقة دليل واضح على وظيفة نشر الافكار على الناس بأكراه ويتم سرد هذا الحدث ,بعد خطاب بينك, بالأغنية” الركض الى الجحيم “Run Like Hell … ولحد يومنا هذا توجد الكثير من الحكومات والاحزاب والجامعات الدراسية لها نفس هذا الهدف.

العاهرة الشقراء تراقب بينك المخدر

بينك فقد القدرة على التواصل مع كل شيء من حولة . فهو في خصام دائم مع طفولتة المدمرة والتي تنتمي إلى حقبة الحرب العالمية الثانية , عن الاب المفقود في الحرب , عن معاصرته في فترة الثورة الشبابية في اوربا وامريكا ضد كل القيم السابقة .. لا شيء , لا افكار , لا حلول لما يعتمل في داخلة . العنف الذي تجسد في شخصية بينك دليل واضح عن فقدان التواصل , او عدم القدرة على التواصل , في ادبيات علم النفس  , يتم تعريف العنف الجسدي على اساس : انعدام القدرة على التواصل مع الاخريين, فيتم الاستعاضة عن الكلام هو صورة عن الفكر, بالذراعين والاقدام والاسلحة , العنف هنا يجسد فلسفة انعدام التواصل مع كل شيء من حول الشخص العنيف .

استعان الفيلم بجرافيك لمدة 15 دقيقة متوزعة على الفيلم لتعبير عن بعض المشاهد التي لا يمكن تجسيدها في الواقع… ولو حذفت هذه 15 دقيقة من الجرافيك لأصبح الخلل في صناعة هذا الفيلم… احدى اهم المشاهد الجرافيكية التي لا تزول من ذهني عندما يمشي العديد من المطارق مقتحمة الشوارع التي تمثل حزب نيو نازي تحت رئاسة بينك بينما  تسرد هذه الاحداث تحت الاغنية الاسطورية” Waiting for the worms” تصور انزال الحزب في الشارع في وسط منازل الناس ويقوم رئيس الحزب بينك بنشر دعوته الى الناس مستعينا بمكبر الصوت.

بينك بعد فقدان عقله تماما… يتخيل نفسه يترأس جماعة من حزب نيو نازي

يمكن مشاهدة هذا الفيلم من وسطه او من نهايته او من دقيقة 00:53:12 من غير متابعته من اوله الى نهايته, دليل على قوة البنية التخطيطية لفيلم… وانا لا اشجع مشاهدة الفيلم من غير مشاهدته مليا حيث ان مثل هذه الافلام لن تتكرر في تاريخ السينما.

نستنج ان الفيلم اعتمد بشكل كلي على الاغاني حيث ان جميع الاحداث تقع تحت اغنية معينة تمت بصلة لحدث, لم يعتمد الفيلم على الحوار الا قليلا. استعان الفيلم بتمثيل الرموز بفن الجرافيك الاحترافي.

الاستعانة بفن الجرافيك والرسوم المتحركة , كان هو الحل الامثل لهذا الكابوس , الفيلم عبارة عن كابوس انساني في عصر الصناعة , معَ حلول هذا العصر وعدم تأقلم الانسان معة , واصلاً الانسان كائن قلق ,يعيش قلق وجودي مزمن وعدم ملائمة مع الواقع بالمرة منذ يوم خلقة , فهو غير متصالح مع الكون الذي يعيش فيه والطبيعة التي فرض عليها , المعرفة تثقل كاهلة .

المطارق مقتحمة الشوارع

معَ عصر الصناعة , وتحويل الانسان الى ماكنة بايلوجية , فهو يطرح على طاولة التشريح كماكنة يجب ان تقدم اعلى انتاج فهو يخضع لمعادلة من الدرجة الاولى عدد ساعات العمل في عدد القطع المنتحة الحاصل هو اكبر عدد من القطع المنتجة , كل شيء قابل للتسليع في عصر الصناعة , في مشهد رائع الجدار الذي فصل الانسان عن ماضي ما قبل الصناعة , كل شيء يباع , في تصوير رائع يملىء الجدار بالسلع , سيارات , شفرات حلاقة , اجهزة استريو , واطعمة كل شيء مسلع وقابل ان يكون سلعة , الجسد الانثوي سلعة الجسد الرجولي سلعة . زيادة معاناة الانسان بانشطار جديد . عصر لا يفهم منه شيء . عصر حول الكنسية الى كازينو قمار , حول الانسان الى مسخ . والجدار العازل والذي اصبح عنوان لعدم التفاهم بين البشر وحتى بين البشر والطبيعة التي يعيشون عليها .

في قائمتي فيلمين غنائيين : الغناء تحت المطر Singing in the rain 1952  والحائط TheWall 1982

التحليل والنقد السينمائي لفيلم بينك فلويد : الحائط  بقلم لاوين ميرخان

الأوسمة:

7 تعليقات to “بينك فلويد : الحائط 1982”

  1. وسن Says:

    رؤية عميقة ، هذا ما عصف به جداران بنك فلويد وكرافيك باركر الحذقة جدا!
    شكرا

  2. اياد Says:

    لقد كنت من اكبر المعجبين لبينك فلويد منذ طفولتي، وهذا الفيلم يحوي المجموعة الموسيقية الرائعة من ألبوم بينك فلويد: الجدار والفيلم مذهل بدون ادنى شك لأنه قد تماشى مع الاغاني.
    شكرا

  3. ميداس Says:

    اغاني بينك فلويد عظيمة لكن خيال الفيلم ضعيف…

    • Zeyada Mohamed Says:

      انا استعجب و استغرب من النقد الجاااامد ده…قليل اوى اما الاقى حد بيشاركنى الهوس و الجنون بالفرقه الاروع فى التاريخ…و يعجب بأسلوبهم فى مواجهة كل الحائق المره و فى انتقاء الأله المجتمعيه…شكرا اوين

  4. Omar M. Monem Says:

    انا كنت بتفرج على الفيلم و انا زى الحمار
    مستمع فشخ بالجرافيك و الأغانى
    بس مش فاهم اى حاجة من اللى المخرج بيحاول يقولها
    , شكرا علىا لتحليل الرائع ده

  5. Sahar A. Hegab Says:

    هل تعرف ان هذه هى المقالة الوحيدة التى وجدتها اثناء بحثى عن اى مقالات عنه؟
    ولا اعرف لم فيلم عظيم كهذا لا يبالى بل لا يعرفه احد
    تحياتى .. مقال رائع

  6. سالم الجسر Says:

    واوو يا إلهي اخيرا وجدت شخص يفهم بينك فلويد.. رائع ولله رائع.. اسمح لي بأن اشكرك على منحي الفرصة للتعبير عن مدى حبي لهذا الفيلم وأعتقد ليس هناك أي إنسان في العالم يعشق فرقة بينك فلويد اكثر مني … وهذه هي مقالتي المتواضعة عن الفيلم : –

    الجدار من افلام سريالية بحتة, استخدمت فيه الاشكال التجريدية المقتبسة من الواقع لمحاكاته ولتوكيد على معنى, كالمطارق تمشي كمجموعة من افراد الجيش البريطاني على اكتفاهم شعار مطرقتين على شكل حرف الاكس, وتحول وحش بدائي الى شرطي بريطاني يضرب مواطن برئ, خروج الوجه الصارخ من الحائط مشيرا الى مدى الالم
    يركز فيلم الجدار على سلسلة التخيلات المتشابكة من خلال ذكريات وكوابيس بينك “بوب جيلدوف” (نجم روك), الذي لم يذق طعم الطفولة كباقي الشباب, فقد نشئ يتم الوالدين, كما هو واضح في مشاهد الفيلم عندما يصور طفولته
    في معظم الاحيان يكون العمل الابداعي ليس متوقع لدى كتاب السيناريو والمخرجين الذي يبحثون عن شئ جديد في السينما, فمن الصعب إقناع الجمهور والنقاد بنوع جديد في سرد احداث الفيلم بأختزال الحوارات مكتفيا بالقصائد الغنائية والتعابير والتحولات الرمزية بأستخدام فن الجرافيك. قد يكون هذا الفيلم صدمة كبيرة لهم حينذاك لا يقدرونه الا بعد مرور السنين.
    يفتتح الفلم بشخص اسمه بينك في احدى غرف الفندق وحيدا تدور الكاميرا حوله ليجسد حزنه البادي في وجه. ولا يتحدث الى احد, فالفيلم لم يتعمق في سبب قلقه المزمن سوى تجسيد جنونه اثناء سرد احداث الفيلم الى النهاية.
    الفلم قد حقق توازن مدهش في السرد ما بين اليقضة والواقعية، فقد استخدمت القصائد الغنائية لعضو الرئيسي “روجر وترز” لفريق الرائع ” بينك فلويد”, لالبوم الجدار, فكل مشهد الفلم صلة بكلمات الاغنية, بذلك نشاهد اختزال الحوارات بين الشخوص.
    فلم الجدار يضمن نصوص لا يمكن عملها في فلم , لذلك استعان المخرج الن باركر بالانميشن ذات الرمزية هنا عالية جداً ,الرمز يدخلنا في فضاء مجهول وغير قابل للتأويل الحصري . شيء يدخل ضمن إطار ثورة حلم . ما يحصل هنا اشبه برؤيا لمستقبل الانسان .. ما سوف يحصل اذا استمر الجنون الحالي .. من طمع وجشع وحروب .. جدران فقط تبنى لا شيء اخر . سبق الفيلم الجدار العازل في فلسطين . الجدار العازل في ايرلندا . جدران الوهمية التي تفرضها اوربا على المهاجرين .. جدران لا تعد ولا تحصى منها الجدار الذي يحلم به السيد رومني المرشح . مرشح الانتخابات الامريكة لمنع المهاجرين من امريكا لاتنية .. جدران .. جدران وحسب يبني الانسان جدران

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.